mardi 18 septembre 2012

هكذا تحدث القيادي في القاعدة أبو مصعب السوري: عن الجهاز العسكري لحركة النهضة

هكذا تحدث القيادي في القاعدة أبو مصعب السوري: عن الجهاز العسكري لحركة النهضة في الثمانينات وعن تفاصيل انقلاب 8 نوفمبر الفاشل  

تانيت برس - هي مقدمة لا بد منها، لكي يعرف القارئ، كاتب هذه المذكرات التي حوت معلومات خطيرة في تاريخ الحركة الإسلامية التونسية ، مع أن المادة يجب أن تقيم بالأساس بناء على قوة أو ضعف ما جاء فيها، لا بناء على اسم صاحبها.
أبو مصعب السوري أو مصطفى بن عبد القادر أكبر منظر عقائدي ومخطط إستراتيجي لتنظيم القاعدة و الذي رصدت واشنطن مكافأة خمسة ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه ..ولد بمدينة حلب عام 1958 التحق بتنظيم "الطليعة المقاتلة" الذي أسسه مروان حديد في سورية لقتال النظام السوري . تخصص في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة وعمل مدرباً في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن. إثر معارك مدينة حماة وانهيار برنامج المواجهة مع النظام السوري أعلن أبو مصعب انفصاله عن تنظيم الإخوان المسلمين احتجاجاً على الفساد وسوء الإدارة لدى الإخوان.
سافر إلى أفغانستان حيث تعرف في بيشاور على عبد الله عزام الذي أقنعه بالانضمام إلى تجمع المجاهدين العرب. التحق بتنظيم القاعدة في بداية تأسيسه وقد كان قبل ذلك من المقربين من أسامة بن لادن خلال مرحلة الحرب الأفغانية. و التي انتقل بعدها الى بريطانيا بناء على دعوة قاري سعيد الجزائري الذي عاد من أفغانستان إلى الجزائر ليشارك في تأسيس "الجماعة الإسلامية المسلحة" . عاد إلى أفغانستان وبايع ملا عمر و أسس "معسكر الغرباء" ، وقد تعرض هذا المعسكر إلى تدمير بالكامل إثر أحداث سبتمبر .اعتقلته السلطات الأمريكية في باكستان في عام 2005م ورحلته إلى سوريا ضمن برنامج الترحيل السري لوكالة المخابرات الأمريكية وفي مطلع عام 2012م أطلقت السلطات السورية سراحه ولم يتبين مكان إقامته منذ ذلك الحين. و فيما يلي النص الذي كتبه أبو مصعب السوري صمن كتابه الذي يؤرخ للتيار الجهادي العالمي تحت عنوان المحاولات الجهادية في تونس اعتبارا من النصف الثاني من الثمانينات هذا نصها :
المحاولات الجهادية في تونس اعتبارا من النصف الثاني من الثمانينات
يعود ميلاد الصحوة الإسلامية بشكلها المعاصر في تونس إلى أواسط السبعينات , حيث أسس الشيخ (راشد الغنوشي) وعدد من الإسلاميين الآخرين من رفاقه حركة عرفت باسم (الإتجاه الإسلامي في تونس) وبدأت كغيرها من ظواهر الصحوة الإسلامية في تلك الفترة على أسس قريبة جدا من فكر الأخوان المسلمين, بالإضافة لمسحة تونسية خاصة بحكم جذور الصحوة الإسلامية في تونس..
وقد اشتمل الاتجاه الإسلامي في تونس على محاور فكرية متعددة كان بعضها دعوي و بعضها سياسي و بعضها تربوي , وبعضها جهادي مثله الشيخ الدكتور( صالح كرر) حفظه الله وفرج كرباته وتقبل منه .. دخلت حركة الاتجاه الإسلامي معتركات سياسية كثيرة مع نظام رئيسها السابق (الحبيب بورقيبة), وسجن قادها وأوقفت صحفها وخطر نشاطها أكثر من مرة .. وأخذت في آخر أيامها باتجاه الخيار الديمقراطي والصراع مع السلطة عبر الانتخابات .. في حين كان لجهازها السري العسكري الخاص المتكون من عدد من الضباط في مختلف صنوف الأسلحة في الجيش التونسي برنامجا للإعداد لانقلاب عسكري يحمل الإسلاميين وإلى السلطة بحسب ما كانوا يتصورون..و يمثل هذا البرنامج التجربة الأهم لمحاولة جهادية جادة في تونس للإطاحة بنظام الحكم القائم هناك . (وهذه التجربة وإن كان لا يمكن اعتبارها إحدى تجارب التيار الجهادي بسبب الهوية الفكرية لجماعة الغنوشي .. إلا أني سأعرض لنبذة عن تلك المحاولة في هذه الفقرة على اعتبار أن القائمين عليها من الأخوة الضباط كانوا يحملون فكرا جهاديا أقرب إلى فكر التيار الجهادي من قربه إلى فكر الحركة العام ذي الطابع السياسي المختلط ..وهذا ما تبين لي بعد تعرفي على بعضهم عن قرب ).
• إلى جانب الاتجاه الإسلامي كان هناك بعض الخلايا الصغيرة لم تجاوز الآحاد في حدود علمي من الشباب الذي حمل الفكر الجهادي السلفي .. وقد قاموا بعدد من العمليات البدائية البسيطة الغضة التجربة, مما أدى إلى استشهاد بعضهم واعتقال الآخرين وفرار بعض الآحاد إلى خارج تونس, وكان من بينهم الشيخ (علي الأزرق) - رحمه الله – الذي أفتاهم بالجهاد ومشروعية استهداف الدولة وهيا كلها, وقد فر الشيخ إثر فشل تلك المحاولة إلى السعودية - التي أعادت تسليمه إلى تونس أواسط الثمانينات حيث أعدم رحمه الله وقد جاوز السبعين من عمرة وهو يردد الشهادتين ويكبر في أحد سجون تونس- كما روى لي بعض من عاصر تلك المحاولة من الأخوة التونسيين..
أما عن محاولة الانقلاب لجماعة الاتجاه الإسلامي أو ما عرف فيما بعد باسم (حزب النهضة) بزعامة الشيخ راشد الغنوشي , فخلاصتها كما بلغتني مشافهة من بعض الذين خططوا لها وأشرفوا عليها من أولئك الإخوة الضباط كما يلي:
• بصرف النظر عن الخلط والخبط المنهجي الذي طبع حركة الاتجاه الإسلامي والطبقة الأولى من قياداتها منذ نشأتها . إلا أن بداياتها انطبعت بالفكر الثوري الانقلابي والجرأة وسعة الأفق السياسي , وهي صورة للتركيبة الفكرية والنفسية للشيخ (راشد الغنوشي) ..
• كان للحركة تصورا مؤسساتيا طموحا , عني بتأسيس الكوادر والهياكل التنظيمية لتنظيم يطمح إلى إسقاط نظام حكم ووراثته على كافة الصعد . ولذلك كان للحركة برنامجها في شتى المجالات السياسية والتربوية و الاقتصادية والإعلامية .. الخ وكان من بين تلك الأجهزة التي أنشأتها, الجهاز العسكري للحركة.
• قام مخطط الجهاز العسكري أساسا على زرع عدد من الضباط المتطوعين في الجيش التونسي في أقسام الأسلحة الثلاثة البرية والجوية والبحرية .. وعلى تجنيد من استطاعوا من الضباط ذوي الميول الإسلامية في الجيش .. وبصرف النظر عن التفاصيل الفرعية فقد كان التنظيم محكما وشديد التخفي في جيش علماني يحظر على عناصره الالتزام بالدين ويراقب حتى همسات المصلين و تسبيحات المؤمنين , ويعتبرها شبهة تؤدي على الأقل بصاحبها إلى الطرد من الجيش .
التزم الضباط الشباب من أعضاء هذا الجهاز بالغ السرية بناء على فتاوى تحصل عليها من فقهاء التنظيم ومن استفتاهم بسلوك يخفي أي إشارة إلى التزامهم الديني .. فكانوا يصلون سرا .. بل إذا حضرتهم الصلاة في أوقات الدروس والتدريبات , صلوا إيماءا..و كانوا لا يصومون إلا إذا تمكنوا سرا, بل وصل الأمر في التخفي إلى اكتفائهم بلباس الحشمة لنسائهم مع الترخص في كشف غطاء الرأس للضرورة التي كانوا فيها !! ثم مضى التنظيم على مدى نحو عشر سنوات وفق مخططه الذي كان يقوم على فكرة الانقلاب العسكري أساسا للإطاحة بالسلطة ..
• ووفق ما رواه لي أحد أصدقائي من الضباط الذين أشرفوا على الإعداد للانقلاب , فقد كان البرنامج محكما وطموحا , واستطاع أن يقيم صلات بدول مجاورة وينسق برنامجه على مستوى عال.. وكان وقت التنفيذ إن لم تفتني الذاكرة في عام (1986).. بعد أن كانت حكومة بورقيبة قد أطاحت بفوز الاتجاه الإسلامي ..عبر تزوير الانتخابات بعد فوزهم في مراحلها الأولى بصورة أدهشت المراقبين لما يعرف عن المجتمع التونسي من التحلل من الالتزام ..وانتشار مذاهب العلمانيين وأتباع خطوات الفرنسة والتغريب فيه . ولكن بدا في تونس أيضا أن روح الأصالة والتعاطف مع الدين الإسلامي والثقة في مشروعه السياسي طبعت و ما تزال تطبع جميع المجتمعات العربية والإسلامية بلا استثناء.
• وبحسب الرواة ذوي العلاقة .. فقد أدى الضعف والتردد لدى أستاذ جامعي من القسم المدني في التنظيم والذي كان على صلة مع قيادة الضباط الانقلابيين إلى كشف المحاولة قبيل تنفيذه بمقت وجيز . فسارع وزير الداخلية في حينها وهو الرئيس الحالي (زين العابدين بن علي) .. إلى انقلاب سريع أبيض بالتعاون مع المخابرات الأمريكية وإدارة أجهزة الأمن وبعض أركان النظام من السياسيين .. ثم عزل بورقيبة بحجة هرمه وعجزه الصحي , وتم نقله إلى قصر معزول ليكمل بقية هذيانه وخرفه هناك حتى هلك. وكان قد اعتقل معظم الانقلابيين وفر من تمكن من الفرار .
• ولأن زين العابدين بن علي كان قد رتب انقلابه البديل على عجل .. كان يتخوف من عمق جذور المحاولة الانقلابية الإسلامية , وأضطر إلى عقد صفقة مع راشد الغنوشي وقياداته السياسية اتفق بموجبها على الإفراج عن الضباط الموقوفين , مقابل اعتراف الجماعة بالنظام الجديد وكفها عن السعي للإطاحة بالسلطة .
• وهكذا أفرج عن زهاء مائتي ضابط من الانقلابيين الإسلاميين الذين خرج جلهم إلى المنافي الاختيارية في عدد من الدول الأوربية باللجوء السياسي , كما خرجت معظم قيادة التنظيم المدني وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي. إلى الدول الغربية ..
• اتجهت جماعة النهضة والشيخ راشد ذاته بعد ذلك الفشل إلى أقصى التطرف المعاكس , في المنهج السياسي و تبني الطروحات الديمقراطية , أو ما يسمونه نبذ العنف ,واتخذ الشيخ راشد من لندن منطلقا لتحركاته عبر أوروبا , متبنيا فكرا و مسلكا يتوافق مع المقاييس الغربية للاعتدال الإسلامي ليس محل تناوله هنا . واستهل ذلك بإصدار كتابه (الحريات السياسية في الإسلام) , الذي انتهك فيه كثيرا من مسلمات الدين الإسلامي بدعوى منهج الانفتاح و الاعتدال الذي ابتدعه وبلغ حد إنكار وإلغاء معلومات من الدين بالضرورة !..
• وقبض على الشيخ (صالح كرر) في فرنسا وألزم الإقامة الجبرية منذ زهاء خمسة عشر سنة ومازال فيها , خشية أن يتابع تحركاته وتطلعاته الجهادية حيث أنه كان يمثل تيارا جهاديا الجاد في جماعة الاتجاه الإسلامي في تونس.